باحث فلسطيني: المعتقلون يحولون السجون إلى مدارس فكرية

رام الله - قال عبدالناصر عوني فروانة الباحث المتخصص بشؤون الأسرى إنه" لم يسبق للتاريخ البشري أن سجل تجربة جماعية خلف القضبان أكثر إشراقاً من تجربة الحركة الأسيرة في سجون الاحتلال الإسرائيلي".

وأوضح في تقرير له أن من أوجه تلك التجارب "تحويل السجون والمعتقلات إلى قلاع ثورية ومدارس فكرية وجامعات خرجَّت أجيالا وأجيالا، فخرَّجت القائد الفذ والمناضل العنيد، الكاتب الرائع والشاعر المبدع".

وأضاف "حركة التعلم والتثقيف لم تتوقف، لكنها مرت بمراحل، ففي بدايتها كان من الصعب إيجاد أوراق وأقلام، ووصل الأمر إلى استخدام ورق السجائر وأوراق الكارتون أو أي مادة ورقية للكتابة، كما أن الأقلام كانت ممنوعة ولكنها تُهرب إلى داخل السجون حتى أن القلم الواحد كان يمرر على التنظيمات المختلفة لكتابة ما يحتاجونه من تعليمات وغيرها".

وأشار فروانة أن "المعتقلين اضطروا في السابق إلى خوض إضرابات طويلة عن الطعام بهدف السماح بالدفتر والقلم، وحقهم في إدخال الكتب، وكذلك السماح لهم بتنظيم برامج ودورات تعليمية مختلفة في شتى الميادين، ورغم المماطلة والتسويف من قبل ادارة مصلحة السجون الاحتلالية، إلا انه في المحصلة النهائية تم انتزاع الدفتر والقلم وحق ادخال الكتب، فانتقلت إدارة السجون إلى محاربة المادة المكتوبة في الدفاتر من خلال المراقبة والتفتيش والضبط والمصادرات".

وأكد أن العملية التثقيفية تعتمد على التثقيف الذاتي للأسير من خلال المطالعة الذاتية، أو من خلال نقل المعارف، وتبادل الخبرات من خلال الجلسات التي كانت تتم بشكل جماعي، وعلى شكل ندوات ثقافية.

وبين أن "المواضيع التي يهتم الأسرى بتناولها هي سياسية وأمنية وفكرية، وبخاصة الصمود في التحقيق والتجربة الاعتقالية والتعامل مع إدارة السجون، إضافة إلى محو الأمية للأسرى الذين لم ينالوا أي قسط من التعليم ويوضع لهم برنامج إجباري، وهذا لا يعني عدم تناول موضوعات أخرى".

وقال وركزت العملية التعليمية داخل المعتقلات على تعليم اللغات وخاصة العبرية والإنجليزية وبشكل اختياري للأسرى الراغبين في ذلك، وتمكن المئات منهم من إتقان ذلك بل وقاموا بترجمة العديد من الكتب والمؤلفات وعملوا بعد تحررهم وبنجاح وتفوق في هذا المجال.

وأشار فروانة إلى أن عددا كبيرا من الأسرى اتجهوا إلى تعلم الكتابة، ولذلك وجد عدد كبير من الأسرى ممن أجادوا وأبدعوا في كتاباتهم، النثرية والشعرية والقصائد والقصص القصيرة والمقالات والدراسات والبحوث وغيرها.

وتطرق إلى وجود مئات القصص القصيرة التي تخط خلف القضبان، إضافة إلى مئات القصائد والخواطر والمقالات السياسية، وإلى أن جزءاً لا بأس به من الأسرى واصل كتاباته بعد التحرر وانضم رسمياً إلى الكتاب والشعراء والصحافيين والمترجمين، ومن أبرزهم محمود الغرباوي، فايز أبو شمالة، أبو سليم جاد الله، عيسى قراقع، أحمد قطامش، علي جدة، محمود جدة، حسن عبدالله، عطا القيمري، د. عدنان جابر، عزة الغزاوي، علي جرادات، غازي أبو جياب، المتوكل طه، عدنان الضميري، ناصر اللحام، وغيرهم.

وأوضح أنه على الرغم من اختلاف البرامج التثقيفية لكل تنظيم سياسي داخل المعتقل، إلا أن هذه البرامج تلتقي في النهاية بتحقيق صقل الأسرى، وزيادة معارفهم، ناهيك عن اهتمام تلك التنظيمات بنشر ثقافة موحدة بين الأسرى من خلال إصدار مجلات مشتركة تركز في أغلب موضوعاتها على المواد الوطنية والأمنية والأدبية، إلى جانب المجلات التي يصدرها كل تنظيم على انفراد لأفراده.

وأضاف الباحث فروانة "كان التطور الكبير الذي شهدته المعتقلات هو إصرار المعتقلين بنضالاتهم على اكمال دراستهم للحصول على شهادة الثانوية العامة بعدما سمحت إدارة السجون بذلك وفقاً لشروط معينة وبالتنسيق مع التربية والتعليم، وبالفعل تمكن العديد من الأسرى من الحصول على تلك الشهادة، في حين حُرم ممن لا تنطبق عليهم الشروط من ذلك، كما ما زال الأسرى محرومين من تواصل مسيرتهم التعليمية لمن هم أدنى مستوى من الثانوية العامة".

وبين أن "التطور النوعي الذي حدث داخل السجون، هو انتزاع حق الانتساب للجامعات والتعلم عن بُعد بعد إضراب الأسرى المفتوح عن الطعام في العام 1992، والذي شمل كافة السجون واستمر تسعة عشر يوماً، ولكن لم تسمح لهم سلطات السجون منذ ذلك الوقت إلا بالانتساب للجامعات العبرية فقط، وهذا ما مكن مئات الأسرى من الالتحاق بالجامعات العبرية ومواصلة تعليمهم الجامعي، والحصول على شهادات جامعية متقدمة في مختلف التخصصات.

وقال شكل هذا الإنجاز دفعة قوية لمئات الأسرى الآخرين الذين يناضلون من أجل الحصول على الدرجات العلمية المختلفة بدءا من شهادة الثانوية العامة، ووصولا إلى الشهادة الجامعية الأولى ثم الماجستير والدكتوراة".

وذكر من بين الأسرى الذين حصلوا على شهادة البكالوريوس والماجستير ومنهم الأسير اللبناني سمير القنطار الذي حصل على البكالوريوس بالعلوم الإنسانية والاجتماعية وأنهى دراسة الإجازة في حزيران العام 1997 من جامعة تل أبيب المفتوحة، والأسير محمد حسن محمود إغبارية، من قرية المشيرفة في المثلث الشمالي، الذي حصل على درجة "الماجستير" في العلوم الديمقراطية من الجامعة المفتوحة في تل أبيب، وحصل الأسير منصور عاطف ريان من بلدة قراوة بني حسان قضاء سلفيت على شهادة البكالوريوس في العلاقات الدولية والعلوم السياسية من الجامعة المفتوحة العبرية.

وأضاف في تحد غير مسبوق تمكن بعض الأسرى من مواصلة تعليمهم الجامعي عبر الهاتف النقال الذي يتم تهريبه إلى داخل السجن ومنهم من ناقش رسالة الماجسير والدكتوراة عبر الهاتف النقال، حيث أن العديد من طلاب الجامعات الفلسطينية يعتقلون أثناء دراستم الجامعية، فيواصلون دراستهم في السجن بطريقتهم الخاصة، ومنهم من ناقش رسالة الماجستير والدكتوراة عبر الهاتف النقال المهرب لداخل السجون وتجاوزوا ذلك بنجاح من ضمنهم ناصر عبدالجواد (388) عاما ناقش رسالة الدكتوراة من داخل معتقل مجدو.

وطالب الباحث فروانة في نهاية تقريره بتوثيق هذه التجربة التعليمية والثقافية الرائعة داخل السجون الإسرائيلية، كجزء من الوفاء للحركة الأسيرة وتاريخها المشرف.

وبعد فنحن عندنا من الأقلام والأوراق وسبل الراحة الكثير فهلا نشطنا في طلب العلم .