لقمان.. هل هو نبي أم ولي؟(2)

نواصل حديثنا عن الوصايا التي وجهها سيدنا لقمان لابنه فنقول وبالله التوفيق: 3 "ان اشكر لي ولوالديك إليَّ المصير" أي قلنا له اشكر لي. والشكر لله علي نعمة الإيمان. وللوالدين علي نعمة التربية. وقال سفيان بن عيينة: من صلي الصلوات الخمس فقد شكر الله. ومن دعا لوالديه في أدبار الصلوات فقد شكرهما مع الرجوع إلي الله حيث لا حاكم ولا مالك سواه. ثم إن الله عز وجل يجزيه علي ذلك أوفر جزاء.
وقد أمر الله تبارك وتعالي في مواضع كثيرة من كتابه الكريم بالإحسان إلي الوالدين. قال تعالي: "واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً" سورة الأنعام: 151 "وقضي ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أُفي ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريماً. واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيراً" سورة الإسراء: 23:24. "ووصينا الإنسان بوالديه حسناً وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون" سورة العكبوت: 8. "ووصينا الإنسان بوالديه إحساناً حملته أمه كرهاً ووضعته كرهاً وحمله وفصاله ثلاثون شهراً حتي إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة قال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت عليَّ وعلي والديَ وأن أعمل صالحاً ترضاه وأصلح لي في ذريتي إني تبت إليك وإني من المسلمين" سورة الأحقاف: 15. وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلي الله عليه وسلم : "لن يجزي ولد عن والده إلا أن يجده مملوكاً فيشتريه فيعتقه" رواه مسلم والترمذي وأبوداود.
وعن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: "جاء رجل إلي النبي صلي الله عليه وسلم فاستأذنه في الجهاد. فقال: أحيي والداك؟ قال: نعم. قال: ففيهما فجاهد" أخرجه الستة إلا مالكاً.
4 "وإن جاهداك علي أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما"أي وقلنا للإنسان ان اجتهد أبواك وحملاك علي أن تشرك لي في استحقاق العبادة ما ليس له به فلا تطعهما في الشرك.
وهذا توجيه من الله عز وجل وعلا يعني أن خدمة الوالدين كانت عظيمة فلا يجوز للولد أن يطيعهما في الشرك والمعصية. ولا يمنع ذلك من برهما والإحسان إليهما.
أخرج أبويعلي والطبراني وابن مردويه وابن عساكر عن ابن عثمان الثهدي أن سعد بن أبي وقاص قال: "أنزلت في هذه الاية:. قال: كنت رجلاً باراً بأمي. فلما أسلمت قالت: يا سعد ما هذا الذي أراك قد أحدثت؟ لتدعن دينك هذا أو لا آكل ولا أشرب حتي أموت فتعير بي فيقال يا قاتل أمه. فقلت: لا تفعلي يا أمة فإني لا أدع ديني هذا لشيء. فمكثت يوماً وليلة لم تأكل. فأصبحت قد اشتد جهدها. فلما رأيت ذلك قلت: يا أمة تعلمين والله لو كانت لك مائة نفس فخرجت نفساً نفساً ما تركت ديني هذا لشيء. فإذا شئت فكلي وإن شئت لا تأكلي" فأكلت وذلك لما علمت من قوة إيمانه بالله.
5 "وصاحبهما في الدنيا معروفاً" وهذا لا يمنع أن تحسن إليهما وترفق بهما في الأمور دنيوية. وهذا أيضاً من التوجيه الإلهي.. وعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما: "قدمت علي أمي وهي مشركة. فاستغتيت النبي صلي الله عليه وسلم . قلت: قدمت علي أمي وهي راغبة. أفأصل أمي؟ قال: نعم صلي أمك" رواه البخاري ومسلم وأبوداود.
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلي الله عليه وسلم : "رغم أنفه. رغم أنفه. رغم أنفه. قيل: من؟ قال: من أدرك والديه عند الكبر أو أحدهما ثم لم يدخل الجنة" رواه مسلم في صحيحه. وللحديث بقية إن شاء الله تعالي.

اخرج الحكيم والترمذي في نوادر الاصول عن ابي مسلم الخولاني قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ان لقمان كان عبداً كثير التفكير حسن النظر كثير الصمت، احب الله فأحبه الله، فمن عليه بالحكمة، نودي بالخلافة قبل داود فقيل: له يالقمان هل لك ان يجعلك الله خليفة في الأرض تحكم بين الناس؟ قال لقمان: ان اجبرني ربي قبلت، فإني اعلم انه إن فعل ذلك اعانني وعلمني وعصمني.
وان خيرني اخترت العافية، ولم أسأل البلاد. فقالت الملائكة: ولما يالقمان؟ قال: لان الحاكم بأشد المنازل واكدرها، يغشاه الظلم من كل مكان، فيخذل او يعان. فإن اصاب فالبحرى ان ينجوا وان اخطأ اخطأ طريق الجنة، ومن يكن في الدنيا ذليلاً فهو خير من ان يكون شريفاً ضائعاً. ومن يخير الدنيا على الآخرة تفتنه الدنيا، ولا يصيب الآخرة. فعجبت الملائكة من حسن منطقه فنام نومة فأعطي الحكمة، فانتبه وهو يتكلم بها ثم نودي داود بعده بالخلافة فقبلها ولم يشترط ما اشترط لقمان، فوقع في الذي حكاه الله عنه، فصفح الله تعالى عنه وتجاوز، وكان لقمان يؤازره بعلمه وحكمته، فقال داود: طوبى لك يالقمان!. اوتيت الحكمة فصرفت عنك البلية