( العفش داخل البص علي مسؤلية صاحبه )

بعد أن احكم إغلاق باب الزنكي جيدا وراءه,, أحكم وضع الطاقية جيدا علي رأسه بلفها بين يديه علي رأسه الذي بدات تكسوه الايام كسوتها هنا وهناك,,,خطا خطواته اليوميه نحو موقف البحر,,, كم من السنوات مرت وهو يمشي نفس الطريق بنفس الخطوات,, يمر بنفس الوجوه,, ونفس الكلام والسلام,, ألا يضجرون؟ هكذا حدث عبد الحي السواق نفسه,,,ثم تسآل أيضا,, هل مللت انت ام هو الفلس؟,, الله ينعل ابو الفلس يا اخي,,وهو الفلس براهو,, القرف,, القهر,, نميري,, العساكر...الله يقطعهم ويقطع يومهم,,
غرق في افكاره وهمومه,, ولم ينتبه تماما الا وهو يخطو فوق خط السكه حديد,, في طريقه الي موقف البحر,, قطع المساحه الممتده شرق السكه حديد وعينه علي البصات التي تقف في الموقف,, آملا ان يكون جبريل أو جبرين كما ينادونه قد احضر البص مبكرا,,وجد البص رابضا كما تمني " سفريات وحدة ابو فروع" ترقد اعلي البص بالاحرف البيضاء وإمضاء نعمه الانيق تحتها,,إبتسم وهو يقرأ في مقدمه العربه الفورد" السفنجه" آخر انتاج لورشة كباشي ورجب مرسال,,مرددا في نفسه"ما عارف لو صنعوها كلها كانوا يسووا شنو؟"

:جبرين كيف حالك؟
وكأنما لا داعي للإجابه أجاب جبرين
: كيفك يا معلم؟
ثم :جيت في التايم ,,,باقي خمسه سته ركاب نلقطهم في الشارع.

لم يجب عبد الحي,, رغم انه كان يعلم ان ما ينقصهم أكثر مما قال,, ولكنه تعلم من الاشجار العتيقه التي تحتضن الساحه أن تتكيف مع الأشياء والناس إن لم يتكيفوا معك,, هكذا جبرين,,لا استطيع تغييره,, هو هو يحب ان يغامر في كل شئي,, يعشق النتائج السريعه,, لافعال غير مبرمجه او مدروسه,,,

: يلا يا جبرين شوف الكمسنجيه وخلينا نتحرك,,, وهو المدروس شنو اليومين دي يا ولدي,, خليها علي الله.
تحرك البص استجابة لصافرة طويلة من شفتي جبرين وهو متعلقا بالباب الامامي للبص ونصفه خارج البص,, يبحث عن راكب,,
" مرتاح يا ولدي تملأ بطنك بالنهار,, وتملأ راسك بالليل ولا عليك" لا بيت لا أولاد لا هم لا غم,, حظك.

"شوف الحيوان دا عايز يتخطي وين,, أهه امشي إن شاء الله تجي الأول"
ثم للرجل الذي يجلس في المقعد الذي بجانبه: ناس المؤسسه ديل كلهم تقول اتعلموا السواقة اول امبارح,, لا ذوق لا فن!!!
توقف استجابة لصافرة جبرين,, بعد ان تخطوا مصنع الصداقة بقليل.
غمغم الرجل الجالس الي جواره: بدينا من هسه,, ما تخلونا نمشي شويه.
لم يجب عبد الحي,, وأكتفي بهز رأسه ناظرا الي يساره بعيدا عن الرجل.


" لفة الصداقة دي تقول عاملها مسطول!! ما كان ممكن يمشي عديل الزلط دا؟؟"
" الغبيان بتاع ابو فروع دا عامل ليهو محطة بنزين هنا البجيهو منو؟؟ قروش محرقه روحهم"
البطاحين وما ادراك ما البطاحين,, الغريبه ما بعرف ولا زول فيها بس الشارع جنبها كويس,, برضو اللفه البعدها بكرهها موت,, بالله الجناين دي مزروعه؟؟ يوم واحد ما شفت لي زول طالع منها ولا داخل فيها,, كويس جيناك يا قنب,, مافي زول واقف في الشارع ولا في المظلة,,والعماره القالو عامله الحلاوي دي في قنب لو عملها في الحصاحيصا ماكانت جابت ليهو قروش تراب,,,

" دا كلو خليهو يا اخوي قروش الايجار كيف؟؟ وهدوم المدارس,, والله ياها وزارة التربية والتأليم,,ماعارف الابتدائي رداء ظهري وقميص لبني,, والبنات فستان أخضر,, والثانوي العام رداء كاكي وقميص كاكي ,, والبنات فستان بني,, الحمد لله ما عندنا زول في العالي,, وإلا كان ما عارف فستان لبني وقميص ورداء كيف كيف ما عارف,, و"
ايقظته من سرحاته المتكرره صافرة جبرين قبالة ابو عشر,, أبطأ من سرعة البص,, حتي اوقفها امام مجموعة الأكشاك الصغيره,, حيث يقف عدد لا بأس به من الركاب,,
: ايوه ماشين طوالي البص اتملا خلاص,,
حاول إخفاء ابتسامته وهو يسمع جبرين محاولا اجتذاب بعض الركاب الذين يتأففون عن ركوب بص النجده وابو فروع خوف الوقوف المتكرر...
" الدنيا كده عايزه واحد زي جبرين دا مديها بي الشلوت,, وتامي الباقي فهلوة"

" يعني انا ما مديها بي الشلوت,, خلاص ,, يا الخواض"
كويس شوف موقف ناس الهلالية فيهو رقشة,,,نهدن شوية قبال الشفقان دا ما يقد اضنينا بصفارتو القاطعه من مخ رأسو دي" "
ناس الهلالية ديل ما قالوا عملوا ليهم بص,, تسآل احد الركاب من الخلف.

"شوف نوع دا عشان ما يقيف دقيقتين,, عايز يقطع عيشنا,, مالك وملهم عملوا بص ولا ما عملوا"

: يلا يا معلم ,, ثم ألحقها بالصافره وهو بعد علي الارض,,جاريا خلف البص ليتسلق في آخر لحظة,, دليل الخبرة والتمرس في هذه المهنة.

" اعمل حسابك ,, الكبيري البعد يافطة الهلالية دا عايز ليهو تهدينه شوية",, ويقول ليك عم الزين : حفظت السكه محطه محطه,, دا نحن حفظناهو حفرة حفرة,,, هسه يجوك الحفرتين القبل ود الماجدي ,, وكان جايي العصر تلقي ناس ود الماجدي مبطحين جنب الزلط,, بيتفرجوا في شنو انا ما عارف؟؟

"بي مناسبة الفرجه دي ياربي الليله بنقدر ننلحق لينا دور نجي راجعين قبل العصر,,نحصل القلب والمشعل؟؟ ناس المشعل اليومين دي مولعين نار,,عندهم ولدين تلاته لعابين,,"
كان عبد الحي من رواد دار الرياضة المنتظمين فيها كان ينسي كل شئي,,, البيت الحكومه,, الفلس ,, وكل شئ,, يمازح هذا وذاك,, لا يهمه من يلاعب من...!!!!

هذه المره هدأ عبد الحي من سرعة البص,, بعد ان سمع لغطا وضجيجا في مؤخرة البص ,, وصوت جبرين عاليا وهو يحدث بعض الركاب المعترضين علي التعريفه.: نحن زاتو غلطانين الشلناكم من الشارع ,, كان نخليكم ملطوعين هناك,, بعدين يا عمك انا وريتك قبل ما تركب.

نادي عبد الحي علي جبرين,, طالبا منه الاكتفاء بما يدفعون.
" كلامو صحي ,, لكن يسووا ليهم شنو,, والعايز يشوف الدنيا دي صحي صحي اليجي يسوق ليهو بص ,, ويقولوا ليك الدنيا مدرسه,, والله البص دا مش مدرسه,, دا جامعه عديل كده"
" الحمد لله وصلناك يا الكاملين,,نقيف عند مطعم عمك التوم,, يظبط لينا الفطور بعد ما نكب ليهو الجماعه ديل كلهم عنده,, ونطلع لينا بي علبة بنسون مع الفطور,,, وطبعا الوهم ديل حينقنقوا قبل ما ينزلوا,, ما علينا"
وكما توقع عبد الحي ,, إعترض معظم الركاب علي توقفهم للفطور بالكاملين,, لم يعر كلامهم انتباها او ردا كما تعلم من شجر الموقف.تعلم عبد الحي كثيرا من هذه الاشجار دون ان يدري ,, الصبر كان اهم ما خرج به منها غير الكثير الكثير,, ولو وجدته متكئا علي جذع احداها لما تبينت ايهما الشجره!!!
تواصلت أحاديث عبد الحي مع نفسه اثناء القياده عن عالم الطريق الذي حفظه حفرة حفرة كما يقول.
مرورا بالحليلة والكسمبر,, والطريق يلتوي غربا ثم شمالا الي ود الترابي,, مرورا بمظلة ودراوة,, وفي كل مرة كان يتساءل " ناس ود راوه ديل ما قالوا غنيانيين !!! الكاروهات شنو ؟
ثم مجموعة الحفر قبل فضل,, مرورا بالبشاقرة والتكله ابشر حيث يجب ان تنتبه للاغنام وهي تقطع الطريق الملتوي ايضا وصولا الي التكينه,, والطريق المتفرع الي السديره الغربيه,,,,ثم الي ام مغد حيث الطريق مستويا اولا ثم ملتف شمال شرق,, هنا تنتبه كل حواس عبد الحي حيث ان المنطقه مشهورة في عرف السائقين بكثرة حوادثها,, ويقال انها مسكونة بجني يعشق حوادث الحركة,,, تنفس الصعداء بعد ان تجاوز أم مغد,, مارا بالغابة التي ترقد بعيدا عن الاسفلت بينما لافتتها الصغيرة تكاد تكون في منتصف الطريق,,, مرورا بالتي والمسيد,,
: دق ليهو هنا يا ولد.
توقف عبد الحي محاولا تجنب صافرة عبد الحي التي اتت منه وهو علي الارض جاريا خلف البص قبل توقفه.

" الود دا بحب ليك شغلتو دي حب جد,, والله الود دا لو قرأ كان يكون حاجه عجيبه عديل,,,هسه لو الناس كلهم بحبو شغلهم زي الزول دا ما كانوا حيجودوه ,,لو ناس الحكومه ديل كل زول شايف شغله وحابيهو زي الود دا ما كنا طرنا فوق,,, خليهم ناس الحكومه,, الدكاتره العندنا ديل,, لو حبو شغلهم أمي كانت لي يوم الليله حيه" استغفر الله" الله يرحمك"

كانت العربه تزحف ببطء خلف ارتال العربات في الطريق الي السوق الشعبي ,, وجو من الفرح والسرور يملا البص,, فابتسم من لم يبتسم من الحصاحيصا,, جو من التسامح بين جبرين والركاب,, وبين الركاب فيما بينهم.

" خلاص وصلتو يا اولاد الكلب,, خلاص بطلتو القرضمه والفلسفة؟؟ تاني بتجونا,,"
دائما ما يتساءل عبد الحي في نهاية الرحله عما يحدث بين الركاب والسائق والمساعد,,أثناء الرحله لا يتعاملون كرفقاء رحله,, وفي ختامها
يكونون أقرب الي الاصحاب,, ولكن في رحلة أخري عداوات جديده,ووجوه عابسه, تنقلب الي رفقة قبل النهاية ووجوه بشوشة وكلمات طيبه,, وهكذا في كل مرة,,وما هو نهاية الرحله لهم هو بداية الرحلة لنا,,وركاب اخرون ضجرون,, أتري هكذا هي الدنيا,, أم هو البص مدرسة.